• انتعاش مهنة الخياطة.. تصليح الملابس

انتعاش مهنة الخياطة.. تصليح الملابس "أرحم" من شرائها

(المدن - محمد علوش)

شارك هذا الخبر

مع التقدم التكنولوجي والصناعي فقدت المهن اليدوية أهميتها حول العالم. ولا شكّ أن مهنة الخياطة قد تكون أحد أبرز هذه الحرف التي غزتها المعامل الكبيرة. ولبنان ليس جزيرة منفصلة عن الواقع العالمي الجديد، ولعلّ غزو الملابس التركية للأسواق المحلية، والملابس الجاهزة، قبل الأزمة الاقتصادية كان خير دليل حول ما نقوله، إذ كادت مهنة الخياطة أن تندثر.

وقعت الأزمة الاقتصادية، ارتفعت أسعار السلع المستوردة مع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية، وعادت الحرف اليدوية إلى الحياة من جديد.

الخياطة بالجملة لا بالمفرق والأقمشة بالدولار
عام 2016 قرر ابراهيم هجرة مشغل الخياطة خاصته في بيروت، والبحث عن عمل يكفي به عائلته بعد أن أصبحت المهنة "مش جايبة همّها"، حسب تعبير الخيّاط الخمسيني الذي اشترى منزلاً في بيروت، وعلّم أولاده الثلاثة في "أحسن الجامعات" من مردود مهنته.

يُشير ابراهيم في حديث عبر "المدن" إلى أنه أقفل مشغل الخياطة الذي يملكه عام 2017، لكنه عاد إليه بداية العام 2020، بعد نصيحة تلقاها من صديقه بشأن "عودة الحياة إلى مهنته"، لافتاً إلى أن الأزمة الاقتصادية فتحت أمامه أبواب العمل من جديد، فهو اليوم يصنع الثياب لتجّار "الجملة" في لبنان، متوقعاً أن تزداد وتيرة العمل بعد رفع الدولار الجمركي.

لا يُنتج لبنان قماشاً، يقول ابراهيم، مشيراً إلى أن الأقمشة كلها مستوردة وبالدولار الأميركي، وأسعارها تتفاوت بين نوع وآخر، فعالم الأقمشة واسع ومتشعّب، وفيه أسعار تناسب الجميع، فهناك أسعار تبدأ من 5 دولارات للذراع، ويمكن أن تصل إلى مئات الدولارات، أما كلفة الخياطة فهي بالدولار أيضاً، ولا يوجد معيار واحد للتسعير، إذ يمكن أن يطلب الخياط دولاراً واحداً على القطعة، ويمكن أن يطلب 10 دولارات، وذلك حسب مهارته واسمه بالسوق ونوعية ما يُنتجه.

في السابق كانت كلفة خياطة "بدلة" رسمية حوالى 70 دولاراً، يقول ابراهيم، مشيراً إلى أن الزبون يحدد جودتها من خلال اختياره للقماش، وكان يمكن لـ150 دولاراً أن تُنتج بدلة متوسطة الجودة، بينما اليوم أصبح "الشعور" بالكلفة أكبر، لكن الأسعار بالدولار ما زالت متشابهة.

على سبيل المثال يُشير ابراهيم إلى أن أسعار "العباية الخليجية" المستوردة تبدأ من 40 دولاراً في السوق المحلية، بينما مشغله يمكنه صناعة مثلها تماماً بكلفة 20 دولاراً أميركياً، بشرط أن تكون الكمية كبيرة، فكلما ازداد عدد القطع كلما قلّت كلفتها.

تصليح الملابس
لا تعمل مشاغل الخياطة الكبيرة بـ"المفرّق"، وتعتمد على "الجملة"، وبالتالي لا يناسب المحال الصغيرة بيع ملابس الخياطين "فالعمل مع مشغل خياطة محلي، ستكون الكلفة عليه أعلى من الاستيراد حتماً"، يقول عماد، وهو خياط يملك محلّ خياطة صغير في الضاحية الجنوبية، مشيراً عبر "المدن" إلى أن عمله ازدهر خلال الأزمة، لكن ليس من خلال طلب خياطة الألبسة الجاهزة، بل بسبب طلب تصليح الملابس.

ويضيف الخياط عماد: "في السابق كنا نعمل أكثر بمجال "تفصيل" الملابس، كالفساتين على سبيل المثال، لكن التفصيل اليوم أصبح أعلى ثمناً من المستورد، لأن الخياط يُنتج قالباً خصيصاً لخياطة الفستان، بينما مصانع الألبسة تُنتج القوالب لإنتاج آلاف القطع، ومن الطبيعي أن يكون ثمن القطعة الفريدة أعلى من غيرها، لذلك أصبح من النادر اليوم أن يُطلب منا تفصيل فستان وخياطته. بالمقابل يُطلب منا تصليح الفساتين، أو تضييقها لزبونة استعارت فستان صديقتها من أجل مناسبة ما، لأن الناس غير قادرة على الشراء لكل مناسبة".

"مش عم نلحّق" تصليح، يقول عماد، مشيراً إلى أن الزبائن تطلب تصليح كل شيء، حتى الملابس الداخلية أحياناً، لأن التصليح أقل ثمناً من شراء ملابس جديدة. فعلى سبيل المثال يكلّف تصليح "البنطال" 150 ألف ليرة، بينما ثمنه جديداً لا يقل عن 800 ألف ليرة.

الأجرة تُناسب الوضع المعيشي
بكل تأكيد ارتفعت أجرة الخياط، وهنا يقول عماد بصراحة بأن السبب ليس ارتفاع كلفة عدة الخياطة، إذ أن "مكوك" الخيطان الكبير الذي يكفي لحوالى 3 أشهر ثمنه 30 ألف ليرة فقط، والخياطة تعتمد على الخياط لا العدّة.. إنما السبب هو ارتفاع كلفة المعيشة، فالخياط لا يملك مصدر دخل سوى عمله وعليه دفع إيجار المحل الذي أصبح بالدولار، وكلفة الكهرباء الباهظة، إضافة إلى تأمين حياة عائلته، لذلك أصبحت الأسعار مرتفعة نسبة لليرة اللبنانية، لكنها أوفر بكثير من شراء الملابس الجديدة.

الخياطة "حرفة" يدوية، وبالتالي يحصل الخياط بدل أجرة يناسب "جودة" عمله، لذلك يتفاوت الأجر بين خياط وآخر، حسب أنواع الزبائن، ففي الشياح على سبيل المثال محل خياطة شعبيّ، أسعاره أرخص من غيره، لكونه يشكل مقصداً لمئات الزبائن بشكل يوميّ، بينما لا يقصده الزبون الذي يسعى للحصول على وقت الخياط واهتمامه وتفرغه، وهكذا تختلف الأجرة، فتكون لدى الأول 20 ألف ليرة كلفة تقصير البنطال، بينما هي 50 ألف لدى الثاني.

مهنة تجذب أجيالاً جديدة
بعد أن كادت تموت، عادت مهنة الخياطة لتجذب أجيالاً جديدة، من الفتيات تحديداً. ففي الفترة الماضية كان الأمر مقتصراً على محبّي "مصممي الأزياء"، لكن الحرفة البسيطة اليوم أصبحت مقصداً لمن يرغب بتعلّمها، فهي بالنسبة إلى رنا "مهنة جميلة ومُربحة".

تقول رنا، العشرينية التي تتعلّم فن الخياطة كما تُحب أن تسميه، أنها حتى العام الماضي كانت الخياطة بمثابة هواية لها، لكنها اليوم تتحول إلى مهنة مربحة، معبرة عبر "المدن" عن "توقعها بأن تزدهر أكثر، لأن الوضع الاقتصادي لن يعود كما كان بالسابق ولو بعد سنوات".

هذا الواقع يُوجب على المعنيين بالمعاهد والمهنيات التقنية استغلاله عبر فتح صفوف خاصة للخياطة، وتوجيه الطلاب نحوها بشكل يتناسب مع حاجة السوق.

آخر الأخبار
GMT

آخر الأخبار
GMT