• هزّات بدن مش طبيعية

هزّات بدن مش طبيعية

(خاص المنبر - جوزفين حبشي)

شارك هذا الخبر

فجر الاثنين ٦ شباط ٢٠٢٣، وتحديدا عند الساعة ٣:١٧، استيقظ اللبنانيون على اسرة تهتز بقوة، وزجاج شبابيك يرتجف، وكتب تتهاوى ، وثريات تلف وتدور كاعصار في قلب البحر .

لثوان، استعاد اللبنانيون وخصوصا سكان العاصمة بيروت الذين سبق ان خسروا اهلا واولادا واحبة وممتلكات هي جنى العمر ، تروما تفجير المرفأ في ٤ آب ٢٠٢٠، فشعروا أن التاريخ يعيد نفسه ، وان انفجارا امونيوميا بصدد الانبجاج، فصرخ الجميع: يا عدرا، يا مار شربل، الله اكبر…


النجمة اليسا هي واحدة من ملايين اللبنانيين عموما ، والاف سكان بيروت خصوصا، ومنطقة الاشرفية المواجهة مباشرة للمرفأ تحديدا، التي عاشت جحيم ٤ آب، ولا تزال مثلنا جميعا، ترتعب من طبشة باب احيانا. اليسا التي تسكن منطقة الاشرفية، وفي مبنى مواجه للمرفأ، استيقظت على الارض فجر ٦ شباط، من هول الارتجاج، ومن نباح كلبتها ستار.
لثوان ، عاشت اليسا مأساة تفجير ٤ اب ورعبه مجددا، وما ان انتهت ال٤٠ ثانية المدمّرة للاعصاب، سارعت بشكل عفوي -في الثانية الواحدة بعد ال٤٠ ربما- لتفجير ارتياحها من خلال تغريدة كتبت فيها:"يا ربي🙏منيح اللي طلعت هزة ومش شي تاني، لأنو راح نص عمري عا هل نقزة"…


غردت اليسا مثلنا جميعا قبل ان تعرف ان زلزالا وقع في تركيا ، فشكرت الله ان ما حصل ليس " شي تاني" اي تفجير جديد ، بل هزة ارضية طبيعية انتهت على خير ( هكذا ظنت وظننا جميعا) رغم قوتها وطولها و…. ما ان نشر احد المواقع تغريدة اليسا في وقت لاحق، حتى انتقل الزلزال من تركيا الى جدران صفحات التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر ، والويل الويل لاليسا التي "زمطت" من هزة ارضية، ولكن اين المهرب من هزّات البدن الناتجة عن نيترات حقد اعمى، يفجّر لا انسانيته باسم الانسانية؟


بعض التعليقات اقل ما يقال عنها انها سخيفة ، واستوقفتني انا شخصيا، خصوصا انني عشت في اللحظات الاولى للهزّة، ما عاشته اليسا ومعظم سكان بيروت في ٤ آب، فشعرت بدوري اننا بصدد تفجير جديد عندما استيقظت في تمام ٣:١٧ فجرا، وبدوري شكرت ربي ان الامر مجرد هزة ارضية وقطعت، وبدوري كتبت على فيسبوك وحمدت الله على السلامة، قبل ان نعرف كلنا بالزلزال.


التعليقات السخيفة والاتهامات الاسخف ممن ينصبون انفسهم قضاة يحكمون على انسانية غيرهم ،جعلتني اشفق على كتّابها، فمعظم اللبنانيين على وسائل التواصل شكروا وحمدوا الله، فهل هذا يعني اننا كلنا لا نبالي بمن سقطوا، ولدينا حسابات سياسية؟؟؟؟ نعم هذا ما استفزني تحديدا عندما قرأت تغريدة لصحفي لبناني ، ظننت في البدء انه قد لا يكون لبنانيا، ولم يسمع(ربما) بتفجير ٤ آب ( ثالث اكبر انفجار في العالم)، وإلا لما كتب ما كتبه.

الصحفي ردّ على تغريدة اليسا، فغرد كالحسّون وكتب:"منيح اللي طلعت هزّة ومات فيها هالقد ارواح، شو الشي الثاني ممكن يكون اكثر رعبا من قوة الطبيعة؟أمرار البعض بس بعبّر من اجل انه يعبّر، ودايما يكون عم بدخّل السياسة وحساباته الشخصية، حتى بوجع الناس… للأسف".


للأسف، كاتب هذا الرد يتساءل "شو الشي ثاني ممكن يكون اكثر رعبا من قوة الطبيعة". الشيء الثاني الاكثر رعبا من قوة الطبيعة، هو الشيء الخارج عن الطبيعة والقانون والضمير والعدالة والحق، والذي يظن نفسه اكبر واقوى من الطبيعة، ويتسبب بدمار عاصمة لبنان ومقتل مئات الضحايا وجرح الاف الابرياء من دون ان يرف له جفن او حتى ان يُحاسب. للاسف كاتب هذه التغريدة يتجرأ على القاء تهم التعصب السياسي على غيره، وفي اكثر لحظات الانسان تمسكا بانسانيته وخوفه على حياته.


حتما حرية التعبير مقدّسة، ولكن القاء التهم جزافا، خصوصا عندما تكون الاستنتاجات التحليلية كملح بحر بيروت على جرح من فقدوا حياة و احبة وجنى العمر، غير مقبول بتاتا. وليسمح لي السيد الصحفي ان اذكّره أن وجع الناس ( ناس تفجير ٤ آب تحديدا الذي غاب عن باله ربما فلم يلحظ انه قد يكون اكثر رعبا من اي زلزال آخر) ليس لتسجيل المواقف، خصوصا المواقف السياسية.


اخيرا وليس آخرا،الجنسية اللبنانية لا تجعلنا لبنانيين، وصفة الانسان لا تجعلنا انسانيين، فلا ترموا بلاويكم على غيركم ، واتقوا الله خصوصا في لحظات المصاب العظيم.

آخر الأخبار
GMT

آخر الأخبار
GMT