• هل يتربّع ممانع آخر على كرسي بعبدا؟

هل يتربّع ممانع آخر على كرسي بعبدا؟

(المنبر - جويس جبور تابت)

شارك هذا الخبر

بعد العودة من منفاه، راهن عدد كبير من المسيحيين على العماد ميشال عون، بعدما رأوا فيه "الرئيس القوي" والمنقذ لهم.
لم يستندوا، بالطبع، على نتائج ما حلّ بهم كل مرة استلم فيها السلطة، كعندما أختير ليرأس حكومة عسكرية، فشنّ حربين مدمّرتين لم تحققا ما أراده، فلم تُحرر الأرض من الجيش السوري، ولم تُلغِ القوات اللبنانية. جلّ ما قام به عون هو أنه أهدى حربه الأخيرة إلى النظام السوري، وأزهق آلاف الأرواح من المدنيين والعسكريين وأسقط "المنطقة الحرة".
مع عودته إلى لبنان عام 2005، حصد الرجل حوالى 75 بالمئة من أصوات الناخبين المسيحيين، لا لأنه حقق ما أرادوه، إنما، ببساطة، لأنّهم آمنوا بشعارات كان قد أطلقها تتمحور حول "السيادة والإصلاح والتغيير". هذه الشعارات سرعان ما تبيّن أنها مجرد وهم بثه بين الناس، ألهبت مشاعرهم وهم الذين طالما تأمّلوا برئيسِ من صنف هؤلاء الرجال الذين يخلّصون الدولة من براثن الفاسدين.
أمّنت هذه الأصوات القدرة لتعطيل إنتخاب رئيسًا للجمهورية عام 2014، وذلك بعدما أعلن حزب الله أنّه سيعمد لإيصال عون إلى الرئاسة مهما كلف الأمر، متلطّيًا خلف "الميثاقية"، ومبتزاً أغلب النواب واللبنانيين بتفادي "الإنهيار" من جهة، و"الحفاظ على الإستقرار" من جهة أخرى. هذا التهديد الذي غالباً ما يلوّح به الحزب في كل مرة لا يخضع فيها اللبنانيون وممثّلوهم لإرادته، باتت سيفاً مسلطاً على رقابهم.
حينها، عطّل حزب الله إنتخاب رئيسًا للجمهورية ليضمن وصول أحد مرشّحَيه. الأول، ميشال عون، حليفه الممثّل الأقوى للمسيحيين، والذي لا تجمعه به إلا مصلحة متبادلة. هو يؤمّن للحزب الغطاء المسيحي لأعماله المخالِفة لمنطق الدولة، فيما الحزب يؤمن له القوة الكافية لإيصاله إلى السدّة الرئاسية كما فعل عندما عطّل مجلس النواب إلى حين وصوله إلى بعبدا. أما الثاني، سليمان فرنجية، الحليف الثابت لخطّ الممانعة والوفي أبداً للنظام السوري أكثر من وفائه للخط التاريخي للجماعة التي يمثل جزءًا منها، والمرتضي السير في ركب "المقاومة الإسلامية" حتى الذوبان. في النهاية، وبعد تعطيل دام سنتين ونيّف، جنح حزب الله لإختيار الحليف الأكثر استفادة منه.
أما بقية اللبنانيين، فاختاروا أهون الشرَّين. فأمام التعطيل المتمادي الذي هدد وجود الدولة، فضّلوا الممانع "التقليد" على الممانع "الأصيل".
انتهت رحلة عون إلى بعبدا بفشل لم يراه لبنان قط. ترك شعاراته البرّاقة على أدراج منزله في الرابية. فكانت حصيلة "عهده القوي" إنهيار الإقتصاد اللبناني، تراجع قيمة عملته الوطنية، وسلسلة من الموبقات اجتاحت حياة اللبنانيين، من بطالة وهجرة وتهريب، وعزل دولي وعربي....
في النتيجة، ردّ عون جميل حليفه على حساب مصلحة لبنان، بتمكين حزب الله من تعزيز حضوره في السلطة والمجتمع على حساب الدولة والمؤسسات، كما عبر تأمينه الغطاء المسيحي لسلاحه غير الشرعي، وغض النظر عن تدخلاته في الحروب الإقليمية وارتهانه لإيران.

أما اليوم، فهل ينقلنا محور الممانعة من عهد "الممانع التقليد" إلى عهد "الممانع الأصيل"؟ وهل ترك عهد عون عند اللبنانيين ولو اليسير من الكرامة والحرية والأموال والمؤسسات ليردّ بها مرشّح الممانعة الجديد الجميل لمن يسعى لتأمين وصوله إلى بعبدا؟ وهل من عضّوا أصابعهم ندمَا على ما أقتُرِف بحق لبنان والرئاسة الأولى، سيقبلون بوصول رئيساً ممانعاً جديداً وأصيلاً إلى بعبدا يستكمل الإنهيار الذي بدأه رفيقه في المحور؟ وهل يستطيع أن يكون فرنجية سيداً حراً غير مرهون لحزب الله وهو المتفاخر أصلاً بارتهانه لمحوره؟

لا لن يُشفى لبنان من أزمته ما لم يتخلص من محور الممانعة ومرشحيه الواحد تلو الآخر، وينتخب رئيساً من صلب الوجدان المسيحي التاريخي المؤمن بقيامة الدولة.

آخر الأخبار
GMT

آخر الأخبار
GMT