"الكوليرا" بعرسال بعد عكار.. بيئة ملوثة ولا مياه نظيفة

(المدن - لوسي بارسخيان)

شارك هذا الخبر

من عكار إلى عرسال.. هكذا بدا خط السير الذي سلكه وباء الكوليرا، بعد أن سجلت أولى حالاته في لبنان نهاية الأسبوع الماضي.

وحسب المعلومات، فقد بات مؤكداً وجود أربع حالات كوليرا مشخصة في أوساط النازحين السوريين بعرسال. اثنتان منها تخضعان للعلاج في مستشفى الهرمل الحكومي، واثنتان تخضعان للحجر المنزلي، ومن بينهما إصابة والدة لطفلين خضعا لفحوص مخبرية إلا أن نتائجها جاءت سلبية. علماً أن الحالات الأربع ظهرت في أربعة مخيمات مختلفة ببلدة عرسال، التي تضم حالياً 167 تجمعاً للنازحين، يبلغ عدد الخيم الموجودة فيها نحو تسعة آلاف، وتجمع أكثر من ثمانين ألف نسمة من النازحين السوريين، فيما العدد الإجمالي لأهالي بلدة عرسال من اللبنانيين لا يتجاوز 45 ألف نسمة.

لا داعي للهلع؟!
صحياً، تؤكد أوساط لجنة طبية مكلفة بمتابعة أوضاع النازحين منذ ما قبل ظهور فيروس كورونا، بأنه "لا داعي للهلع". خصوصاً أن أياماً مضت على ظهور الحالات الأربع من دون أن تتلقى اللجنة الطبية أي مراجعات أخرى حول حالات إسهال شديد بالمخيمات. علما أن وفداً من وزارة الصحة كان قد توجه اليوم الثلاثاء إلى مخيمات عرسال لاستطلاع الوضع، ومراقبة الأوضاع الصحية للمخيمات، وأوضاعها البيئية التي يتخوف أن تشكل حاضنة للوباء متى بدأ بالإنتشار.

ووفقاً لأوساط بلدية، فإن الحالة الصحية العامة في هذه المخيمات تستدعي عناية أكبر من المنظمات الدولية، والهيئات المانحة، ولا سيما منظمتا UNHCR وUNICEF اللتان لا يتردد أهالي البلدة من تحميلهما مسؤولية التسبب بانتقال الكوليرا إلى بلدتهم.

حسب المصدر البلدي المتابع، "فإن القرار الذي اتخذته منظمة اليونيسيف بتقليل كمية المياه النظيفة المخصصة للمخيمات من 35 ليتراً للفرد إلى 7.5 ليترات يومياً، كان لها تداعيات سلبية كثيرة. إذ كيف يمكن أن تكفي هذه المياه لغسيل اليدين، والنظافة وللحمامات. وهذا برأي المصدر، كان المحفز الأول لظهور حالات الكوليرا الذي يتغذى عادة من التلوث. ويستبعد المصدر بالتالي أن يكون المصابون قد خالطوا مرضى كوليرا في الداخل السوري، لأن هؤلاء ليسوا ممن يترددون إلى سوريا.

بيئة سيئة وصرف صحي أسوأ
حسب المصدر فإن الحال البيئية العامة في المخيمات باتت بعد سنوات من النزوح سيئة جداً، ومياه الصرف الصحي تتسلل أحيانا إلى داخل الخيم. وقد زاد الوضع سوءاً عندما قررت اليونيسيف أيضاً تخفيض كمية شفط المياه الآسنة من الجور الصحية، وفي القرار حسب المصدر "استهتار كبير ليس فقط بصحة النازحين السوريين، وإنما أيضا بحياة اللبنانيين، خصوصاً أن مياه الصرف الصحي تتسلل إلى المياه الجوفية السطحية، وبالتالي تهدد مصادر المياه النظيفة التي تتغذى منها القرى التي تقع تحت عرسال وأهالي عرسال أيضاً". ومن هنا يتخوف المصدر أن تكون عودة اليونيسيف عن قرارها السابق بإعادة كميات المياه النظيفة وشفط المياه الآسنة من الجور الصحية إلى معدلاتها السابقة قد جاء متأخراً، فيكون "من ضرب ضرب ومن هرب هرب". علما أن القرار وفقاً للمصادر سيكون ساري المفعول لمدة شهر فقط، ولم يعرف حتى الآن إذا كان سيمدد للأشهر المقبلة.

في المقابل، يوافق محافظ بعلبك بشير خضر، باتصال مع "المدن"، على وجود "خطر فعلي من تفشي وباء الكوليرا في عرسال". وهذا برأيه ما جعل المنظمات تسارع إلى معالجة الموضوع بالعودة عن قراراتها السابقة فيما يتعلق بتأمين المياه النظيفة وشفط المياه الآسنة. مشيراً إلى أن "موضوع تلوث المياه الجوفية من مياه المجارير أكبر من إمكانيات محافظة بعلبك، ونحن حالياً لا نملك ترف الوقت للبحث في مسألة أهمية تجهيز محطة لتكرير مياه الصرف الصحي في هذه المنطقة". وبرأي خضر "أن الأولوية حالياً هي لإحتواء الوباء، وبالتالي محاصرته بالإمكانيات المتوفرة، على أن يجري البحث عن حل مستدام عبر إنشاء محطة للتكرير باتت حاجة أساسية لهذه المنطقة".

خلية أزمة وبلدية منحلّة
ويكشف خضر عن تواصل دائم من قبل المحافظة مع خلية أزمة تم تشكيلها مركزياً لتقصي واقع إنتشار الوباء. ويوضح "أن مشكلتنا اليوم هي بصعوبة الوصول إلى مصادر المياه النظيفة بكل المناطق، والانقطاع الكبير للمياه، نتيجة لعدم توفر الأموال المطلوبة لتشغيل مولدات الكهرباء، التي تدير الآبار التابعة لمؤسسة مياه البقاع، والتي تضخ مياها آمنة. ومن هنا فإن قسما كبيراً من الناس يضطر للاستعانة بالصهاريج، وأحياناً لا نعرف ما هو مصدرها للمياه، وليس بالضرورة أن تكون مياها آمنة مئة بالمئة". ومن هنا يشير خضر إلى تعميم أرسله للبلديات بضرورة مراقبة مياه الصهاريج الموزعة على المنازل، والتي ألزمها باستخدام مادة الكلور لتعقيمها قبل توزيعها على المنازل، وذلك تحت طائلة منع الصهاريج من العمل.

ووسط غياب لبلدية عرسال، التي صار يمكن اعتبارها منحلة، بعد أن تقدم أغلبية أعضائها باستقالتهم، وحوّل المحافظ خضر هذه الاستقالات إلى وزارة الداخلية صباح اليوم الثلاثاء، تغيب المتابعة الجدية لموضوع تفشي الكوليرا من قبل المنظمات والهيئات الداعمة، والتي تؤكد أوساط متابعة أن كل ما قامت به منذ بدء انتشار الوباء في سوريا تنظيم محاضرة يوم الخميس الماضي، تضمنت إرشادات توعية حول الوباء وطرق إنتشاره والوقاية منه. علماً أن فريقاً طبياً تابعاً لجمعية RELIEF يقوم أيضاً بإرشادات مشابهة. وهي إرشادات تعتبرها مصادر في عرسال أنها "لا تغني ولا تثمن"، خصوصاً أنها غير مقرونة ببنى تحتية وظروف معيشية وصحية تساعد النازحين على الوقاية من الوباء. وبالتالي، تعتبر هذه الأوساط بأن "الفضل الوحيد لعدم إنتشار الوباء بسرعة كبيرة حتى الآن هو الخوف السائد بأوساط النازحين، والهلع الذي يظهرونه عند ظهور كل حالة".

آخر الأخبار
GMT

آخر الأخبار
GMT