• المطلوب من إيران.. والعبرة في التنفيذ

المطلوب من إيران.. والعبرة في التنفيذ

(المنبر - بديع يونس)

شارك هذا الخبر

من يتابع الإعلام الإيراني والتصريحات الرسمية يلمس مدى التفاخر بـ "مكاسب" حقّقها "اتفاق بكين" لصالح طهران. أحدها ما أعلنه البنك المركزي الإيراني: "التوافق مع السعودية تسبّب في انفتاح جيّد بمجال النقد الأجنبي..... مفاوضات فريق البنك المركزي مع السعودية أسفرت عن نتائج إيجابية في التواصل بين البنوك وحقّقت نتائج ملموسة".

في المقابل، لا تتاجر السعودية ولا تفاخر بما تحقّق من مكاسب، ولا تناقش مسألة أيّ البلدين حقّق مكاسب أكثر، ما دام الهدف الأخير هو "استقرار المنطقة وأمنها" و"حسن عيش شعوبها". فالمطلوب من طهران هو احترام "سيادة الدول" و"احترام حسن الجوار" وكفّ يد الميليشيات عن زعزعة أمن البلدان العربية ووقف إمداد الحوثيين بالسلاح وصولاً إلى إنهاء الانقلاب في اليمن ووقف الحرب هناك.

سياستان متناقضتان

المملكة العربية السعودية ليست دولة حرب. حتى تدخّلها باليمن لم يأتِ إلّا من منطلق "دفاعي" بعد انقلاب الحوثيين في 2014 ومجاهرتهم بأنّهم ذراع إيرانية مدعومة ومسلّحة ومدرّبة من طهران. فالمشروع التوسّعي وصل إلى الباحة الخلفية للمملكة فيما لم يخفِ النظام الإيراني وأذرعه يوماً "معاداتهما" للمملكة.


تنصرف السعودية إلى بناء دولتها بعيداً عن الصراعات. رؤية 2030 خير مثال على النهج الاقتصادي والتنموي الذي تركِّز عليه الرياض من أجل بناء دولة حديثة تستقطب المستثمرين من كلّ أنحاء العالم لتعزيز ما أعلنه وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من أنّ "الشرق الأوسط سيصبح أوروبا المستقبل".

تتمثّل نظرة الرياض إلى طهران في تصريح وليّ العهد السعودي لمجلّة "بوليتيكو" الأميركية في عام 2020 الذي قال فيه: "إيران جارتنا الجغرافية ولا نستطيع إلغاءها، وهي بدورها لا تستطيع محونا، ممّا يقتضي أن نتعايش كبلدين". أمّا إيران فلم تخفِ يوماً تدخّلاتها العابرة للحدود. ومنها بعض الأمثلة:
- أولاً، عبّرت مرّات عدّة عن تبعية جزيرة البحرين لأراضيها، ودعمت الطائفة الشيعية فيها رغبة منها باستتباعها.
- ثانياً، احتلّت جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، ورفضت التقيّد بالقانون الدولي وقانون البحار، كما رفضت الوساطة والتحكيم .
- ثالثاً، ليس سرّاً تحريك أدواتها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفي قطاع غزة .
- رابعاً، حاولت مدّ يدها إلى مصر والسودان وتهديد أمن الأردن واستقراره.

هذا النهج الإيراني الذي دأبت عليه طهران طوال 44 عاماً أثبت فشل مشروع "إيران الثورة" على حساب "إيران الدولة"، في حين أنّ تبريد الساحات وتهدئتها تدريجياً ربّما يصبّ في صالح الدولة الإيرانية وشعبها الصابر.

نوويّ وتزمّت واحتجاجات
يجب على طهران أن تعي أنّ تملّكها سلاحاً نووياً لن يحمي نظامها. فعلى الرغم من تملّك موسكو السوفيتية سلاحاً نووياً، فقد خسرت حرباً تقليدية في أفغانستان، وبعدها بسنتين هوى النظام الشيوعي وسقط من دون أن يحميه السلاح النووي.

بعد 44 عاماً من تغليب التزمّت الإيديولوجي على حساب الواقعية السياسية، والالتزام بتصدير الثورة بما هو فرض ورَد في الدستور الإيراني، وتغليب منطق الثورة على منطق الدولة، من المنطقي ألّا تشمل توقّعات التقارب بين إيران والسعودية حلولاً لجميع القضايا بين ليلة وأخرى. لكنّ هذا التقارب قد يحافظ على أمن الخليج، ويضمن تدفّق النفط، ويعمل على حلّ قضايا إقليمية.

لكنّ إيران تعيش احتجاجات منذ 6 أشهر على وقع أزمة اقتصادية مستفحلة فيها وفي عواصم جاهرت باحتلالها في أعقاب توقيع الاتفاق النووي:
- في بيروت حزب الله بات مكشوفاً "شعبياً" خارج طائفته.
- في العراق لفظ الشعب التدخّل الإيراني في تظاهرات تشرين.
- في سوريا باتت الميليشيات عبئاً على النظام، أقلّه في الفترة الحالية.
- في اليمن تحوّل الحوثيون إلى مسؤولين عن أكبر كارثة إنسانية عالمية في التاريخ الحديث.

فهل خسارة إيران هذه الساحات والعواصم والغضب الشعبي في داخلها يجبران نظامها على إعادة حساباته؟


ما المطلوب من إيران؟

تمتلك بكين مفتاح طهران من خلال اتفاقية قيمتها 400 مليار دولار على مدى 25 عاماً، وتبحث عن إنجاح مبادرتها الدولية وموقعها العالمي. وللصين فائدة ومصلحة في استقرار وسلاسة الملاحة في الخليج ومضيقَي هرمز وباب المندب والبحر الأحمر (2 مليون برميل نفط يومياً تحصل عليها من السعودية فقط). والدور الصيني يزيد الاطمئنان إلى التزام إيران بالاتفاق مع السعودية وسط تأكيد من المملكة بأنّها ليست طرفاً في الصراع بين الغرب والصين، وتشديدها على حيادها الإيجابي.

ترغب الرياض باستقرار أمني في المنطقة وبازدهار اقتصادي لبناء الدولة بعيداً عن الصراعات والهزّات الأمنيّة. وهي تلعب دوراً سياسياً عالمياً مبنيّاً على "الحياد الإيجابي"، وتركّز داخلياً على رؤية 2030.

إذاً نجاح الاتفاق بيد الإيرانيين. وتبقى العبرة في التنفيذ. وهنا بعض الأمثلة عن عدم التزام طهران، وهي اليوم موضع امتحان بعد "اتفاق بكين":

- عندما زار الرئيسان هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي المملكة وقّعا اتفاقات، لكنّ المتشدّدين تملّصوا من كلّ ما اتُّفق عليه.

- المطلوب وقف توريد السلاح إلى الحوثيين في اليمن والضغط عليهم للتوصّل إلى حلّ سياسي وتمديد الهدنة والإفراج عن الأسرى ضمن صفقة الكلّ مقابل الكلّ.

- في العراق المطلوب حلّ الميليشيات وحصر السلاح وفرض سيادة القانون والمساعدة في بناء الدولة القادرة عبر وقف التدخّلات المشبوهة التي طبعت سنوات ما بعد الغزو الأميركي.

- في لبنان يمكن إظهار بعض "حسن النيّة" بإنهاء الشغور الرئاسي والتخلّي عن ترشيح سليمان فرنجية، الرئيس التحدّي الذي يمثّل فريق "الممانعة"، ثمّ وقف حزب الله عن تحكّمه برئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي ورئاسة الحكومة.

آخر الأخبار
GMT

آخر الأخبار
GMT